الأحد، 21 يونيو 2015

سماء بلون التراب..... 

أن تمشي قرب نهر ..أن تمشي قرب الحياة لكن الحياة لا تحتاج أن تمشي قربها بل تحتاج أن تقفز إليها بحنين الماء في داخلك،  ليمتزج بمسامات روحك ... ليشكّلك الماء بشراً سوياً... ليعيد إلي روحك اليابسة ما أخذته منك الدروب الوعرة ، والخطى الحارقة تحت شمس لا تغيب بل تنتقل الى جمجمتك ليبدا من هناك الاحتراق تدريجياً حتى تجد نفسك وقد تحولت إلى رماد في نهاية الامر لتكتشف حقيقة العنقاء التي حدثوك عنها والتي حاولتَ مرات عديدة أن تعيش حياتها بالخيال فوجدت خطاك تدريجيا تقودك فعلا إلى الرماد....

1

لم ادر بعد ما الذي لفت نظري في المشهد أمامي حتى ادركت حقيقته المقززة، كان حارس المدرسة الثانوية بجلبابه الواسع مع فتاة اثيوبية على الاغلب من اولئك الفتيات اللواتي يعملن كخادمات في البيوت، كان يقف قربها كالديك بينما اخذت بحماس تطلب بعض الاشياء البسيطة فرحة كما لو كانت طفلة صغيرة، نظر الي مبتسما وبدأ يتحسس كرشه البارزة فاشحت بوجهي... لم أعد أذكر ما الذي كنت أريد شراءه بالضبط، وشعرت بالتقزز وطعم يشبه طعم الملح في فمي، نظرت إليه لكنه لم يبال بل دفع ثمن المشتريات وسلمها للفتاة وانصرفا معا....، نظر إلي البائع الهندي مستطلعاً وعندما شاهد ملامحي عرفت أنه أدرك أنني فطنت لكل شيء، 

لم إدرك أنني طلبت شيئا حتى انتبهت انه ناولني خبزاً اخذته بعد ان نقدته المال بطريقة آلية وانصرفت... كان حارس المدرسة والفتاة يتجهان الى بيته القريب... راقبتهما حتى اختفيا في الزقاق، وعندها لعنت نفسي وأنا انظر إلى القمر المتلاشي خلف غيوم شتائية كالحة، شعرت بأن الشارع اصبح جزء من هذه الخيبة التي اشعر بها فوضعت الخبز على جانب الرصيف وعدت الى البيت بشعور مرير بالوحشة والالم الذي لا اعرف مصدره. 

2 :

ادركت فجأة أن الاتجاه الذي سلكته لم يكن هو الاتجاه الصحيح، وأن عليّ العودة من حيث أتيت أو على أقل تقدير أن اعود مسافة كبيرة لاستطيع الانتقال الى الجهة الاخرى من الشارع الذي انقطع فجأة بألواح ومواد بناء لم يكن من الممكن معها التقدم اكثر... أمارس المشي كثيرا عندما يستغرقني الحزن والتفكير كأنني أعبر تيه لا يمكنني من رؤية ما حولي او الانتباه له، المرأة التي رأيتها اليوم تعبر الشارع ثم فجأة يتوقف كل شيء لتصبح جثة هامدة على جانب الطريق ويكتظ المكان بالمتفرجين وحدها كانت ترافق خطاي التي لم اتبينها، لماذا خرجت في هذا الصباح على غير العادة في ايام الاجازات، خرجت مشيا على الاقدام، وكأنني كنت جزء من مشهد النهاية ولم يكن للمرأة ان تموت وهي تعبر الشارع الا بوجود عدد من المشاهدين أنا احدهم،  حاولت الان ان اتذكر ملامحها، ملابسها، لكني لم اتمكن من تذكر شيء الا اللون الذي كانت ترتديه، كانت ملابسها زرقاء، وكانت ترتدي شالا أبيضا وحقيبة يد لم اعد اذكر شكلها، لكن ما اعطتني اياه ذاكرتي لم يكن ذا قيمة، ثم حتى لو  اعطتني الذاكرة ادق التفاصيل ما هو الفرق ؟ انا لم اكن  اعرف هذه السيدة التي انسحبت من عالمنا هذا اليوم ولا اعرف إن كانت فكرت مثلا أن تلتفت ناحيتي قبل ثوان من النهاية، او انها لمحتني وانا اعبر الطريق، من المدهش ان تكون في الجهة الاخرى بكل شيء، ماذا لو كنت انا تلك السيدة وكانت هي احد مشاهدي النهاية في المشهد الاخير ؟ ماذا لو انني واياها تبادلنا الادوار، أقفز الى عالم لا ندركه وتبقى هي لتحدثكم عني ... لتكتب مثلا أنها كانت تملك ملابس زرقاء تشبه ملابسي ، أو ان حقيبتي التي لن تدرك ابدا ما تحتويه كانت مليئة بالاوراق والصور والاقلام ولمن تكن تشبه حقائب النساء في شيء، أو ان المشهد الاخير الذي رأيته لم يكن سوى فكرة طائشة عن حبيب غادر منذ دهر ذكرتني به لوحة احد المحلات التي مرت بطريقي !! ماذا لو أنني الان المرأة التي ماتت والمرأة التي تكتب عن مشهد موتها ؟ واننا الاثنتان لا نشكل شيئا للقارئ سوى صفحة مليئة بالكتابة التي قد تجره ليفكر هو الاخر بتبادل الادوار ؟؟؟